هل بدأ العد العكسي للانتخابات النيابية المُبكرة؟
مع انسداد أفق التسوية الرئاسية ووصول المبادرات الاقليمية والدولية الى حائط مسدود بفعل تمسك كل طرف بمطالبه، بات الحديث عن انتخابات نيابية مبكرة أقرب الى أرض الواقع منه الى ايجاد رئيس توافقي. واللافت أيضا أن هناك قناعة كبيرة لدى مختلف القوى السياسية بضرورة التوجه نحو هذا الخيار لحسم الاكثرية النيابية في مجلس النواب واسقاط مبدأ الاكثرية الضائعة التي أنتجها برلمان 2022.
عندما أطلق نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب الاشارة الاولى من عين التينة بعد لقائه الرئيس نبيه بري، اعتقد البعض أن بو صعب ارتجل الفكرة أو كانت ابنة ساعتها، الا أن الرجل كان بحثها مع بري وقبله مع عدد من القوى السياسية التي تقاطعت مع الرجل على ضرورة ايجاد مخرج لما يحصل في مجلس النواب من تعطيل وفق رؤية الاحزاب السياسية التقليدية، والعمل على حسم الاكثرية النيابية بحيث يتمكن الثنائي من الامساك بها كما حصل في الانتخابات عام 2016.
فكرة الياس بو صعب سرعان ما تبناها أكثر من طرف في المجالس الخاصة أو التلميح اليها عبر الاعلام اذ يرى الجميع مصلحة بهذه الانتخابات لأنها تحدد حجم بعض القوى السياسية التي استغلت ثورة 17 تشرين وضربت ضربتها بوجه قوى السلطة. فالثنائي لديه مصلحة بهذه الانتخابات اليوم قبل الغد لاسترجاع القرار في مجلس النواب وسحب ورقة الاكثرية من يد الكتل الموزعة على أكثر من طرف.
وباعتقاد الثنائي فإن الانتخابات بعد الحرب مباشرة يمكن أن تُشكل استفتاء له خصوصا وأنه يدفع الدم ضد اسرائيل ولدى بيئته القناعة التامة بما يخطط له حزب الله على الجبهة الجنوبية بل زادت هذه القناعة بسلاح الحزب في مواجهة العدو. وتؤكد أوساط مقربة من الثنائي أن الانتخابات النيابية لن تغير في المعادلات بل ستكون مفاجئة لبعض المراهنين على الحزب وناسه الذين سيصوتون كما في السابق وأكثر من أجل المشروع الذي يخطط له الحزب والحركة.
وبحسب الاوساط أيضا فإن للحزب مصلحة كبيرة في اعادة ترتيب بعض المقاعد في عدد من الدوائر الانتخابية، متحدثة في السياق عن اعادة التوازن الى قوى حزبية حليفة أرغمها الحزب على الانسحاب من السباق النيابي والتنازل عن مقاعدها ارضاء للتيار الوطني الحر أو قوى سياسية مستقلة، وهنا تُذكر الاوساط بالخسائر الكبيرة التي تكبَّدها الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي كان ورقة رابحة أهداها حزب الله لصالح التيار الوطني الحر خصوصا في دوائر الشمال الاولى والثالثة وفي البقاع الغربي وبيروت. ومع ارتفاع وتيرة التصعيد والخلافات بين الحزب والتيار في عدد من القضايا الداخلية باتت توجهات الحزب نحو اعادة المقاعد لصالح القوميين والبعثيين والقوى المستقلة الاخرى التي تدور في فلكه والتي أرغمتها قيادة حارة حريك الى الانسحاب أو اسناد الوطني الحر في معركته النيابية.
ورغم عدم ممانعة الرئيس نبيه بري اجراء انتخابات نيابية مبكرة اذا اقتضت الحاجة، الا انه في المقابل يريد ضمانات وبالارقام لكيفية ادارة المعركة بشكل صحيح يتمكن من خلالها فريقه السياسي من حصد الاكثرية النيابية داخل مجلس النواب، عبر تحالفات متينة في المناطق تكفل نتائج مربحة.
اما التيار الوطني الحر فلرئيسه النائب جبران باسيل حساباته الداخلية قبل الوطنية. فالرجل يريد ترتيب بيته الداخلي عبر انتقاء المرشحين الى المجلس النيابي وفق آلية جديدة كان قد أطلقها في الفترة الاخيرة حيث تعكس دوره الاساسي في عملية الاختيار تداركا منه لأي خلل قد يتسرب الى لائحة المرشحين المقربين منه وهي تضم اسماء لا تستفز الرجل.
وقد يكون الحديث عن اطلاق باسيل لهذه الآلية والبدء بالمعركة النيابية من اليوم خير دليل على أن المجلس الحالي لن يكمل ولايته وربما تفرض التطورات نفسها على ساحة النجمة. وعلى المستوى الوطني ثمة حسابات جديدة يأخذها باسيل بعين الاعتبار وترتبط بالتحالفات الجديدة التي ستكون مع البيوتات السياسية وبعضها الآخر مع شخصيات سنية مستقلة وتحديدا في مدينة طرابلس.
وعلى الساحة الدرزية لم يحدث اي تغيير على مستوى التمثيل داخل الحزب التقدمي الاشتراكي، بل يمكن للنائب وليد جنبلاط أن يكون أكثر ارتياحا في تحالفاته اذ تمكن سريعا من العودة الى الوسطية كبيضة قبان بين الشارعين المسيحي والشيعي، ولديه القدرة على التواصل مع الجميع وعلى حصد غالبية المقاعد في الجبل وبيروت والبقاع أو الجنوب.
يختلف المشهد داخل الساحة السنية التي لا زالت تعاني من غياب تيار المستقبل عن الساحة و”تفريخ” شخصيات مستقلة لا يمن حسم مرجعيتها السياسية. وتشير أوساط مقربة من المستقبل الى أن شعبية التيار بدأت تتراجع وفي حال قرر الرئيس الحريري البقاء خارج اللعبة السياسية في الانتخابات المقبلة فهذا يعني عمليا انهاء دوره السياسي في لبنان لأن البيئة لا يمكنها الانتظار أكثر ومصالحها السياسية تقتضي تحالفات جديدة في حال قرر الاصيل ترك الساحة للبديل.
علماً ان بهاء الحريري يعد العدة للعودة الى لبنان، والباب مشرع امامه لخوض الانتخابات في ظل فراغ في المرجعية السنية الوطنية.
وعلى ضفة المعارضة اهتزت صورة قوى التغيير وبعض المستقلين امام الرأي العام بفعل الديماغوجية التي يعتمدها البعض منهم وسوء تنظيم الخلافات فيما بينهم الامر الذي انعكس على أدائهم النيابي، وأدت الخلافات بين النواب الى دفع الرأي العام نحو الاحزاب التقليدية، وقد استفادت القوات اللبنانية من التخبط الكبير داخل الفريق المعارض لتحافظ مع حزب الكتائب على حضورها داخل البيئة المسيحية.