واشنطن «تستنفر» لمنع عودة اللاجئين | أنقرة: المصالحة شرط للتطبيع مع دمشق
في سياق المراوغة السياسية التركية المستمرة حول سوريا، أملاً باتفاق مع دمشق يفتح الأبواب أمام عودة اللاجئين السوريين في تركيا، من دون انسحاب قوات الأخيرة من البلاد، أطلق وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، تصريحات جديدة رأى خلالها أن حكومة الرئيس السوري بشار الأسد «غير مستعدة للسلام» مع بلاده، ومع المعارضة التي بدأت تشترط تركيا إجراء مصالحة بينها وبين دمشق والاتفاق على دستور جديد للبلاد لسحب قواتها من الشمال السوري.
التصريحات التي أطلقها فيدان خلال مناقشة موازنة وزارة الخارجية لعام 2025 في البرلمان، جاءت بعد سلسلة تصريحات قادها الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، ووزير دفاعه، يشار أوغلو، في محاولة لتمهيد الأرض لـ»تطبيع غير مشروط» مع دمشق، أملاً باستباق تولّي الرئيس الأميركي الجديد، دونالد ترامب، والذي تأمل أنقرة أن يسحب قواته من الشرق السوري، ما يمهّد الطريق أمامها لمهاجمة الأكراد، وقضم مناطق جديدة في الشمال السوري بحجة تأمين حدودها، وهو ما ترفضه دمشق وتصرّ على انسحاب القوات التركية أولاً، وتؤيدها موسكو التي اعتبرت أخيراً، السلوك التركي «سلوك احتلال».
فيدان رأى أن دعوة إردوغان للأسد «فرصة» لتحقيق السلام، وأن «القضية الأساسية بالنسبة إلى بلاده تتعلّق بمحاربة «الإرهاب»، في إشارة إلى «حزب العمال الكردستاني»، في وقت طالب فيه الأسد بإجراء اجتماعات على المستوى التقني مع الأتراك لتحديد جملة من المفاهيم، بما فيها «تعريف الإرهاب»، في ظل العلاقات المتينة التي تربط تركيا بفصائل إرهابية تنشط في إدلب وريف حلب، على رأسها «هيئة تحرير الشام»، التي تضم فصائل غير سورية، وتشن بين وقت وآخر هجمات على مواقع تسيطر عليها الحكومة السورية، وتحاول فرض نفسها كـ»سلطة أمر واقع»، بدعم تركي.
من جهتها، ردت الولايات المتحدة، بشكل غير مباشر، على تقارير تحدّثت عن عرض تعدّه تركيا لتكفّلها بمحاربة تنظيم «داعش»، بغية تقديم دفعة لترامب تقنعه بوقف دعمه للأكراد، عبر إعادة تسويق فصائل عربية تديرها في قاعدة «التنف»، تحت مسمّى «جيش سوريا الحرة»، في إشارة إلى امتلاك الولايات المتحدة بدائل من «قسد» من دون الحاجة إلى تركيا. وقالت مصادر ميدانية لـ»الأخبار»، إن التسويق الأميركي الجديد الذي جاء بعد إجراء تدريبات لعناصر هذا الفصيل، والذي يضم مقاتلين انخرطوا سابقاً في فصائل متشددة، وتعتبره دمشق وموسكو امتداداً لـ»داعش»، يرتكز على ذريعتين تمتلكهما الولايات المتحدة، الأولى تتعلق بمحاربة «الإرهاب»، والثانية ترتبط بملف المخدرات، إذ يجري تسويق هذا الفصيل على أنه قادر على حماية الحدود بين سوريا والأردن، الأمر الذي يؤكد تمسّك الولايات المتحدة بقاعدة «التنف»، حتى في حال قرار ترامب سحب قواته من المناطق الشمالية الشرقية في سوريا، لما تلعبه من دور كبير في تحصين إسرائيل، التي شنّت، الأربعاء الماضي، اعتداءً دموياً على تدمر، تسبّب بمجزرة راح ضحيتها العشرات، في منطقة تتمركز فيها قوات تتولى مهمة محاربة «داعش».
وبالتزامن مع ذلك، استغلت الولايات المتحدة جلسة مجلس الأمن لمناقشة الأوضاع في سوريا، لشن هجوم سياسي على دمشق، والتشكيك بـ»مدى سلامة العائدين» من لبنان إليها، هرباً من العدوان الإسرائيلي الكبير، في محاولة لمنع استمرار عودة اللاجئين الذين تستعملهم الولايات المتحدة كورقة ضغط سياسي.
وفي الاجتماع ذاته، الذي غاب عنه المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسن، بسبب زيارته لدمشق حالياً ضمن مساع جديدة لإعادة تنشيط مسار الحل الأممي المجمّد (اللجنة الدستورية)، طالب مندوب سوريا الدائم في الأمم المتحدة، قصي الضحاك، باتخاذ إجراءات حاسمة ضد إسرائيل، التي تستمر في اعتداءاتها الجوية على سوريا، إلى جانب خروقاتها لاتفاقية وقف إطلاق النار، عبر حفر خنادق وإقامة سواتر بمحاذاة خط وقف إطلاق النار في القسمين الشمالي والجنوبي من منطقة الفصل، محذّراً من خطورة هذه الأفعال الإسرائيلية العدوانية التي تهدف إلى خلق واقع جديد في المنطقة. بدورها، شدّدت نائبة المبعوث الأممي، نجاة رشدي، التي حضرت نيابة عنه، على مخاطر استمرار العدوان الإسرائيلي، وتدهور الأوضاع الإنسانية والمعيشية.